کد مطلب:109800 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:159

خطبه 082-خطبه غراء











ومن خطبة له علیه السلام

وهی من الخطب العجیبة تسمّی «الغراء»

وفیها نعوت الله جل شأنه، ثمّ الوصیة بتقواه، ثمّ التنفیر من الدنیا، ثمّ ما یلحق من دخول القیامة، ثمّ تنبیه الخلق إلی ما هم فیه من الاعراض، ثمّ فضله علیه السلام فی التذكیر

صفته جلّ شأنه

الْحَمْدُ للهِ الَّذِی عَلاَ بِحَوْلِهِ، ودَنَا بِطَوْلِهِ، مَانِحِ كُلِّ غَنِیمَةٍ وَفَضْلٍ، وَكَاشِفِ كُلِّ عَظِیمَةٍ وَ أَزْلٍ. أَحْمَدُهُ عَلَی عَوَاطِفِ كَرَمِهِ، وَسَوَابِغِ نِعَمِهِ، وَأُومِنُ بهَ أَوَّلاً بَادِیاً، وَأَسْتَهْدِیهِ قَرِیباً هَادِیاً، وَأَسْتَعِینُهُ قَاهِراً قَادِراً، وَأَتَوَكَّلُ عَلَیْهِ كَافِیاً نَاصِراً. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً _ صَلَّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ _ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ لإِنْفَاذِ أَمْرِهِ، وَإِنْهَاءِ عُذْرِهِ وَتَقْدِیمِ نُذُرِهِ.

الوصیة بالتقوی

أُوصِیكُمْ عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَی اللهِ الَّذِی ضَرَبَ الْْأَمْثَالَ، وَوَقَّتَ لَكُمُ الْآجَالَ، وَأَلْبَسَكُمُ الرِّیَاشَ، وَأَرْفَغَ لَكُمُ المَعَاشَ، وَأَحَاطَ بِكُمُ الْإِحْصَاءَ، وَأَرْصَدَ لَكُمُ الْجَزَاءَ، وَآثَرَكُمْ بِالنِّعَمِ السَّوَابغِ، وَالرِّفَدِ الرَّوافِغ، وَأَنْذَرَكُمْ بِالْحُجَجِ الْبَوَالِغِ، فَأَحْصَاكُمْ عَدَداً، ووَظَّفَ لَكُمْ مُدَداً، فِی قَرَارِ خِبْرَةٍ، وَدَارِ عِبْرَةٍ، أَنْتُمْ مُخْتَبَرُونَ فِیهَا، وَمُحَاسِبُونَ عَلَیْهَا.

التنفیر من الدنیا

فَإِنَّ الدُّنْیَا رَنِقٌ مَشْرَبُهَا، رَدِغٌ مَشْرَعُهَا، یُونِقُ مَنْظَرُهَا، وَیُوبِقُ مَخْبَرُهَا، غُرُورٌ حَائِلٌ، وَضَوْءٌ آفِلٌ، وَظِلٌّ زائِلٌ، وَسِنَادٌ مَائِلٌ، حَتَّی إِذَا أَنِسَ نَافِرُهَا، وَاطْمَأَنَّ نَاكِرُهَا، قَمَصَتْ بِأَرْجُلِهَا، وَقَنَصَتْ بِأَحْبُلِهَا، وَأَقْصَدَتْ بِأَسْهُمِهَا، وَأَعْلَقَتِ الْمَرْءَ أَوْهَاقَ الْمَنِیَّةِ قَائِدَةً لَهُ إِلی ضَنْكَ الْمَضْجَعِ، وَوَحْشَةِ الْمَرْجِعِ، ومُعَایَنَةِ الْمَحَلِّ، وَثَوَابِ الْعَمَلِ، وَكَذلِكَ الْخَلَفُ بِعَقْبِ السَّلَفِ، لاَتُقْلِعُ الْمَنِیَّةُ اخْتِرَاماً، وَلاَیَرْعَوِی الْبَاقُونَ اجْتِرَاماً، یَحْتَذُون مِثَالاً، وَیَمْضُونَ أَرْسَالاً، إِلَی غَایَةِ الْإِنْتِهَاءِ، وَصَیُّورِ الْفَنَاءِ.

بعد الموت البعث

حَتَّی إِذَا تَصَرَّمَتِ الْأُمُورُ، وَتَقَضَّتِ الدُّهُورُ، وَأَزِفَ النُّشُورُ، أَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ الْقُبُورِ، وَأَوْكَارِ الطُّیُورِ، وَأَوْجِرَةِ السِّبَاعِ، وَمَطَارِحِ الْمَهَالِكِ، سِرَاعاً إِلَی أَمْرِهِ، مُهْطِعِینَ إِلَی مَعَادِهِ، رَعِیلاً صُمُوتاً، قِیَاماً صُفُوفاً، یَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وَیُسْمِعُهُمُ الدَّاعِی، عَلَیْهِمْ لَبُوسُ الْإِسْتِكانَةِ، وَضَرَعُ الْإِسْتِسْلاَمِ وَالذِّلَّةِ، قَدْ ضَلَّتِ الْحِیَلُ، وانْقَطَعَ الْْأَمَلُ، وَهَوَتِ الْْأَفْئِدَةُ كَاظِمَةً، وَخَشَعَتِ الْْأَصْوَاتُ مُهَیْنِمَةً، وَأَلْجَمَ الْعَرَقُ، وَعَظُمَ الشَّفَقُ، وَأُرْعِدَتِ الْْأَسْمَاعُ لِزَبْرَةِ الدَّاعِی إِلَی فَصْلِ الْخِطَابِ، وَمُقَایَضَةِ الْجَزَاءِ، وَنَكَالِ الْعِقَابِ، وَنَوَالِ الثَّوَابِ.

تنبیه الخلق

عِبَادٌ مَخْلُوقُونَ اقْتِدَاراً، وَمَرْبُوبُونَ اقْتِسَاراً، وَمَقْبُوضُونَ احْتِضَاراً، وَمُضَمَّنُونَ أَجْدَاثاً، وَكَائِنُونَ رُفَاتاً، وَمَبْعُوثُونَ أَفْرَاداً، وَمَدِینُونَ جَزَاءً، وَمُمَیَّزُونَ حِسَاباً; قَدْ أُمْهِلُوا فی طَلَبِ الْمَخْرَجِ، وَهُدُوا سَبِیلَ الْمَنْهَجِ، وَعُمِّرُوا مَهَلَ الْمُسْتَعْتِبِ، وَكُشِفَتْ عَنْهُمْ سُدَفُ الرِّیَبِ، وَخُلُّوا لمِضْماَرِ الْجِیَادِ، وَرَوِیَّةِ الْإِرْتِیَادِ، وَأَنَاةِ الْمُقْتَبِسِ الْمُرْتَادِ، فِی مُدَّةِ الْْأَجَلِ، وَمُضْطَرَبِ الْمَهَلِ.

فضل التذكیر

فَیَالَهَا أَمْثَالاً صَائِبَةً، وَمَوَاعِظَ شَافِیَةً، لَوْ صَادَفَتْ قُلُوباً زاكِیَةً، وَأَسْمَاعاً وَاعِیَةً، وَآرَاءً عَازِمَةً، وَأَلْبَاباً حَازِمَةً! َاتَّقُوا اللهَ تَقِیَّةَ مَنْ سَمِعَ فَخَشَعَ، وَاقْتَرَفَ فَاعْتَرَفَ، وَوَجِلَ فَعَمِلَ، وَحَاذَرَ فَبَادَرَ، وَأَیْقَنَ فَأَحْسَنَ، وَعُبِّرَ فَاعْتَبَرَ، وَحُذِّرَ فَحَذِرَ، وَزُجِرَ فَازْدَجَرَ، وَأَجَابَ فأَنَابَ، وَرَاجَعَ فَتَابَ، وَاقْتَدَی فَاحْتَذَی، وَأُرِیَ فَرَأَی، فَأَسْرَعَ طَالِباً، وَنَجَا هَارِباً، فَأَفَادَ ذَخِیرَةً، وَأَطَابَ سَرِیرَةً، وَعَمَّرَ مَعَاداً، وَاسْتَظْهَرَ زَاداً لِیَوْمِ رَحِیلِهِ وَوَجْهِ سَبِیلِهِ، وَحَالِ حَاجَتِهِ، وَمَوْطِنِ فَاقَتِهِ، وَقَدَّمَ أَمَامَهُ لِدَارِ مُقَامِهِ. فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ جِهَةَ مَا خَلَقَكُمْ لَهُ، وَاحْذَرُوا مِنْهُ كُنْهَ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ، وَاسْتَحِقُّوا مِنْهُ مَا أَعَدَّ لَكُمْ بِالتَّنَجُّزِ لِصِدْقِ مِیعَادِهِ، وَالْحَذَرِ مِنْ هَوْلِ مَعَادِهِ.

التذكیر بضروب النعم

ومنها: جَعَلَ لَكُمْ أسْمَاعاً لِتَعِیَ مَا عَنَاهَا، وَأَبْصَاراً لِتَجْلُوَ عَنْ عَشَاهَا، وَأَشْلاَءً جَامِعَةً لِأَعْضَائِهَا، مُلاَئِمَةً لِأَحْنَائِهَا فی تَرْكِیبِ صُوَرِهَا، وَمُدَدِ عُمُرِهَا، بِأَبْدَانٍ قَائِمَةٍ بِأَرْفَاقِهَا، وَقُلُوبٍ رائِدَةٍ لاَِرْزَاقِهَا، فِی مُجَلِّلاَتِ نِعَمِهِ، وَمُوجِبَاتِ مِنَنِهِ، وَحَوَاجِزِ عَافِیَتِهِ. وَقَدَّرَ لَكُمْ أَعْمَاراً سَتَرَهَا عَنْكُمْ، وَخَلَّفَ لَكُمْ عِبَراً مِنْ آثَارِ الْمَاضِینَ قَبْلَكُمْ، مِنْ مُسْتَمْتَعِ خَلاَقِهِمْ، وَمُسْتَفْسَحِ خَنَاقِهِمْ. أَرْهَقَتْهُمُ الْمَنَایَا دُونَ الْآمَالِ، وَشَذَّبَهمْ عَنْهَا تَخَرُّمُ الْآجَالِ، لَمْ یَمْهَدُوا فِی سَلاَمَةِ الْْأَبْدَانِ، وَلَمْ یَعْتَبِرُوا فِی أُنُفِ الْْأَوَانِ. فَهَلْ یَنْتَظِرُ أَهْلُ بَضَاضَةِ الشَّبَابِ إِلاَّ حَوَانِیَ الْهَرَمِ؟ وَأَهْلُ غَضَارَةِ الصِّحَّةِ إِلاَّ نَوَازِلَ السَّقَمِ؟ وَأَهْلُ مُدَّةِ الْبَقَاءِ إِلاَّ آوِنَةَ الْفَنَاءِ؟ مَعَ قُرْبِ الزِّیَالِ، وَأُزُوفِ الْإِنتِقَالِ، وَعَلَزِ الْقَلَقِ، وَأَلَمِ الْمَضَضِ، وَغُصَصِ الْجَرَضِ، وَتَلَفُّتِ الْإِسْتِغَاثَةِ بِنُصْرَةِ الْحَفَدَةِ وَالْْأَقْرِبَاءِ، وَالْْأَعِزَّةِ وَالْقُرَنَاءِ! فَهَلْ دَفَعَتِ الْْأَقَارَبُ، أَوْ نَفَعَتِ النَّوَاحِبُ؟ وَقَدْ غُودِرَ فِی مَحَلَّةِ الْْأَمُوَاتِ رَهِیناً، وَفِی ضِیقِ الْمَضْجَعِ وَحِیداً، قَدْ هَتَكَتِ الْهَوَامُّ جِلْدَتَهُ، وَأَبْلَتِ النَّوَاهِكُ جِدَّتَهُ، وَعَفَتِ الْعَوَاصِفُ آثَارَهُ، وَمَحَا الْحَدَثَانُ مَعَالِمَهُ، وَصَارَتِ الْْأَجْسَادُ شَحِبَةً بَعْدَ بَضَّتِهَا، وَالْعِظَامُ نَخِرَةً بَعْدَ قُوَّتِهَا، وَالْْأَرْوَاحُ مُرْتَهَنَةً بِثِقَلِ أَعْبَائِهَا مُوقِنَةً بَغَیْبِ أَنْبَائِهَا، لاَ تُسْتَزَادُ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهَا، وَلاَ تُسْتَعْتَبُ مِنْ سَیِّیءِ زَلَلِهَا ! أَوَ لَسْتُمْ أَبْنَاءَ الْقَوْمِ وَالْآبَاءَ، وَإِخْوَانَهُمْ وَالْْأَقْرِبَاءَ؟ تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ، وَتَرْكَبُونَ قِدَّتَهُمْ، وَتَطَؤُونَ جَادَّتَهُمْ ؟! فَالْقُلُوبُ قَاسِیَةٌ عَنْ حَظِّهَا، لاَهِیَةٌ عَنْ رُشْدِهَا، سَالِكَةٌ فی غَیْرِ مِضْمارِهَا! كَأَنَّ الْمَعْنِیَّ سِوَاهَا، وَكَأَنَّ الرُّشْدَ فی إحْرَازِ دُنْیَاهَا.

التحذیر من هول الصراط

وَاعْلَمُوا أَنَّ مَجَازَكُمْ عَلَی الصِّراطِ وَمَزَالِقِ دَحْضِهِ، وَأَهَاوِیلِ زَلَلِهِ، وَتَارَاتِ أَهْوَالِهِ; فَاتَّقُوا اللهَ تَقِیَّةَ ذِی لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلْبَهُ، وَأَنْصَبَ الْخَوْفُ بَدَنَهُ، وَأَسْهَرَ التَّهَجُّدُ غِرَارَ نَوْمِهِ، وَأَظْمَأَ الرَّجَاءُ هَوَاجِرَ یَوْمِهِ، وَظَلَفَ الزُّهْدُ شَهَوَاتِه، وَأَوْجَفَ الذِّكْرُ بِلِسَانِهِ، وَقَدَّمَ الْخَوْفَ لِأَمَانِهِ، وَتَنَكَّبَ الَْمخَالِجَ عَنْ وَضَحِ السَّبِیلِ، وَسَلَكَ أَقْصَدَ المَسَالِكَ إِلَی النَّهْجِ الْمَطْلُوبِ; وَلَمْ تَفْتِلْهُ فَاتِلاَتُ الْغُرُورِ، وَلَمْ تَعْمَ عَلَیْهِ مُشْتَبِهَاتُ الْْأُمُورِ، ظَافِراً بِفَرْحَةِ الْبُشْرَی، وَرَاحَةِ النُّعْمَی، فی أَنْعَمِ نَوْمِهِ، وَآمَنِ یَوْمِهِ. قَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ الْعَاجِلَةِ حَمِیداً، وَقَدَّمَ زَادَ الْآجِلَةِ سَعِیداً، وَبَادَرَ مِنْ وَجَلٍ، وَأَكْمَشَ فِی مَهَلٍ، وَرَغِبَ فِی طَلَبٍ، وَذَهَبَ عَنْ هَرَبٍ، وَرَاقَبَ فِی یَوْمِهِ غَدَهُ، وَنَظَرَ قُدُماً أَمَامَهُ. فَكَفَی بِالْجَنَّةِ ثَوَاباً وَنَوَالاً، وَكَفی بَالنَّارِ عِقَاباً وَوَبَالاً! وَكَفَی بِاللهِ مُنْتَقِماً وَنَصِیراً! وَكَفَی بِالكِتَابِ حَجیجاً وَخَصِیماً !

الوصیة بالتقوی

أُوصِیكُمْ بِتَقْوَی اللهِ الَّذِی أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ، وَاحْتَجَّ بِمَا نَهَجَ، وَحَذَّرَكُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِی الصُّدُورِ خَفِیّاً، وَنَفَثَ فِی الْآذَانِ نَجِیّاً، فَأَضَلَّ وَأَرْدَی، وَوَعَدَ فَمَنَّی، وَزَیَّنَ سَیِّئَاتِ الْجَرَائِمِ، وَهَوَّنَ مُوبِقَاتِ الْعَظَائمِ، حَتَّی إِذَا اسْتَدْرَجَ قَرِینَتَهُ، وَاستَغْلَقَ رَهِینَتَهُ، أَنْكَرَ مَا زَیَّنَ، وَاسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ، وَحَذَّرَ مَا أَمَّنَ.

و منها فی صفة خلق الانسان

أَمْ هذَا الَّذِی أَنْشَأَهُ فِی ظُلُمَاتِ الْْأَرْحَامِ، وَشُغُفِ الْْأَسْتَارِ، نُطْفَةً دِهَاقاً، وَعَلَقَةً مِحَاقاً، وَجَنِیناً وَرَاضِعاً، وَوَلِیداً وَیَافِعاً. ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْباً حَافِظاً، وَلِساناً لْافِظاً، وَبَصَراً لْاحِظاً، لِیَفْهَمَ مُعْتَبِراً، وَیُقَصِّرَ مُزْدَجِراً; حَتَّی إِذَا قَامَ اعْتِدَالُهُ، وَاسْتَوَی مِثالُهُ، نَفَرَ مُسْتَكْبِراً، وَخَبَطَ سَادِراً، مَاتِحاً فِی غَرْبِ هَوَاهُ، كَادِحاً سَعْیاً لِدُنْیَاهُ، فِی لَذَّاتِ طَرَبِهِ، وَبَدَوَاتِ أَرَبِهِ; لْایَحْتَسِبُ رَزِیَّةً، وَلاَ یَخْشَعُ تَقِیَّةً; فَمَاتَ فِی فِتْنَتِهِ غَرِیراً، وَعَاشَ فِی هَفْوَتِهِ یَسِیراً، لَمْ یُفِدْ عِوَضاً، وَلَمْ یَقْضِ مُفْتَرَضاً. دَهِمَتْهُ فَجَعَاتُ الْمَنِیَّةِ فِی غُبَّرِ جِمَاحِهِ، وَسَنَنِ مِرَاحِهِ، فَظَلَّ سَادِراً، وَبَاتَ سَاهِراً فِی غَمَرَاتِ الْآلَامِ، وَطَوَارِقِ الْْأَوْجَاعِ والْْأَسْقَامِ، بَیْنَ أَخٍ شَقِیقٍ، وَوَالِدٍ شَفِیقٍ، وَدَاعِیَةٍ بِالْوَیْلِ جَزَعاً، وَلَادِمَةٍ لِلصَّدْرِ قَلَقاً. وَالْمَرءُ فِی سَكْرَةٍ مُلْهِثَةٍ، وَغَمْرَةٍ كَارِثَةٍ، وَأَنَّةٍ مُوجِعَةٍ، وَجَذْبَةٍ مُكْرِبَةٍ وَسَوْقَةٍ مُتْعِبَةٍ. ثُمَّ أُدْرِجَ فِی أَكْفَانِهِ مُبْلِساً، وَجُذِبَ مُنْقَاداً سَلِساً )، ثُمَّ أُلْقِیَ عَلَی الْْأَعَوادِ رَجِیعَ وَصِبٍ، وَنِضْوَ سَقَمَ، تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ الْوِلْدَانِ، وَحَشَدَةُ الْإِخْوَانِ، إِلَی دَارِ غُرْبَتِهِ، وَمُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ; وَمُفْرَدِ وَحْشَتِهِ حَتَّی إِذَا انْصَرَفَ الْمُشَیِّعُ، وَرَجَعَ الْمُتَفَجِّعُ أُقْعِدَ فِی حُفْرَتِهِ نَجِیّاً لِبَهْتَةِ السُّؤَالِ، وَعَثْرَةِ الْإِمْتِحَانِ. وَأَعْظَمُ مَا هُنَالِكَ بَلِیَّةً نُزُلُ الْحَمِیم، وَتَصْلِیَةُ الْجَحِیمِ، وَفَوْرَاتُ السَّعِیرِ، وَسَوْراتُ الزَّفِیرِ، لاَ فَتْرَةٌ مُرِیحَةٌ، وَلاَ دَعَةٌ مُزِیحَةٌ، وَلاَ قُوَّةٌ حَاجِزَةٌ، وَلاَ مَوْتَةٌ نَاجِزَةٌ، وَلاَ سِنَةٌ مُسَلِّیَةٌ، بَیْنَ أَطْوَارِ الْمَوْتَاتِ، وَعَذَابِ السَّاعَاتِ! إِنَّا بِاللهِ عَائِذُونَ! عِبَادَ اللهِ، أَیْنَ الَّذِینَ عُمِّرُوا فَنَعِمُوا، وَعُلِّمُوا فَفَهِمُوا، وَأُنْظِرُوا فَلَهَوْا، وَسُلِّمُوا فَنَسُوا؟ أُمْهِلُوا طَوِیلاً، وَمُنِحُوا جَمیِلاً، وَحُذِّرُوا أَلِیماً، وَوُعِدُوا جَسِیماً! احْذَرُوا الذُّنُوبَ الْمُوَرِّطَةَ، وَالْعُیُوبَ الْمُسْخِطَةَ. أُولِی الْْأَبْصَارِ وَ الْْأَسْمَاعِ، وَالْعَافِیَةِ وَالْمَتَاعِ، هَلْ مِنْ مَنَاصٍ أَوْ خَلاَصٍ، أَوْ مَعَاذٍ أَوْ مَلاَذٍ، أَوْ فِرَارٍ أَوْ مَحَارٍ ! أَمْ لاَ؟ (فَأَنَّی تُؤْفَكُونَ) ! أَمْ أَیْنَ تُصْرَفُونَ! أَمْ بِمَاذَا تَغْتَرُّونَ؟ وَإِنَّمَا حَظُّ أَحَدِكُمْ مِنَ الْْأَرْضِ، ذَاتِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ، قِیدُ قَدِّهِ، مُتَعَفِّراً عَلی خَدِّهِ! الْآنَ عِبَادَ اللهِ وَالْخِنَاقُ مُهْمَلٌ، وَالرُّوحُ مُرْسَلٌ، فِی فَیْنَةِ الْإِرْشَادِ، وَرَاحَةِ الْْأَجْسَادِ، وَبَاحَةِ الْْأَحْتِشَادِ، وَمَهَلِ الْبَقِیَّةِ، وَأُنُفِ الْمَشِیَّةِ، وَإِنْظَارِ التَّوْبَةِ، وَانْفِسَاحِ الْحَوْبَةِ قَبْلَ الضَّنْكِ وَالْمَضِیقِ، وَالرَّوْعِ وَالزُّهُوقِ، وَقَبْلَ قُدُومِ الْغَائِبِ المُنتَظَرِ، وَإِخْذَةِ الْعَزِیزِ الْمُقْتَدِرِ. قال الشریف الرضی: فی الخبر: أنّه علیه السلام لمّا خطب بهذه الخطبة اقشعرت لها الجلود، وبكت العیون، ورجفت القلوب. ومن الناس من یسمی هذه الخطبة: «الغراء».